رفوف خاوية.....


بابا ... بابا ... عندنا مسابقة قراءة كتب بالعربي ؛ عندما باغتتني إبنتي ذات العشر سنوات بهذا الإعلان توهمت للحظات أنني خرجت من البلاد العربية ؛ ثم مالبثت بعدها مستطردة .... "خلال أسبوعين لازم أكون قرأت خمسين كتاب بالعربي" !!!!!!
ظننت أنها ربما لم تستمع لمدرستها بشكل جيد أو أنه نوع من تحديات البنات مع بعضهن البعض ولكن ؛ ...... إستمعوا معي .......
" أه فعلاً ؛ المسابقة عملاها الإمارات للمدارس الإنترناشيونال في دول الخليج لتشجيعهم على القراءة باللغة العربية من 3 شهور بس المدرسة معرفتناش غير إمبارح بس" !!! ....إنها زوجتي العزيزة تشرح الأمر!!!
جاء دوري بين القوسين " يعني خمسين على أربعطاشر بيساوي تقريباً من تلاتة لأربعة كتب في اليوم كل كتاب في حدود تلاتين صفحة يعني حوالي مية وعشرين صفحة في اليوم وكل يوم لمدة أسبوعين"......... ؛ "وكمان مطلوب نلخص اللي قريناه كل كتاب في تسع سطور" (مريم بنتي) ؛ المهم مكدبتش خبر...؛
ذهبت إلى إحدى أشهر المكتبات في الخليج العربي مبتدئاً رحلة البحث عن خمسين كتاب باللغة الهيروغليعربية التي تناسب فتاة العاشرة ؛ وما أن خطوت بين أروقة الحروف والكلمات وغاب ظلي في أزقة الكتب والروايات وتقاذفتني الأساطير والحكايات وسافرت في التاريخ طويلاً وأرعبتني أصوات السيوف وطرق الطبول وأصابني دوار البحر في سفن الأساطيل في الفتوحات ؛ حتى أنني تجولت بين الحدائق أراقب ألعاب الأطفال وأقرأ لهم قبل النوم الحكايات ؛ ومررت على الكثير والكثير من لغات وتخصصات وتحفيزات .............. وخرجت من رحلتي لا أحمل صفحة من كتاب بهذه اللغة التي في طريقها للإنقراض يناسب سن العاشرة!!!!

ما الذي حدث؟ ظننت أني دخلت مكتبة في روما أو منهاتن أو باريس ؛ خرجت وبعدها بأيام حاولت بصحبة زوجتي في رحلة أخرى في مكتبة أخرى وكان فارق النتيجة بضعة صفحات عن المكتبة الأولى!!!!

الخلاصة ياسادة أنني إكتشفت كم نحن رفوف خاوية ؛ مكتباتنا رفوفها خاوية من كتب الأطفال بلغتنا وأقصد هنا الكتب التي نستطيع أن نعتمد عليها في مخاطبة بناتنا وأولادنا بما يتناسب وأعمارهم بهدف تأسيس قاعدة قوية من حب الإطلاع وسهولة الفهم وعمق المحتوى ؛ ما وجدته كان مريعاً ؛ أولاً ...منتج غزير من المكتبة الغربية في شتى المجالات وبأعلى جودة في الطباعة والعرض ؛ وثانياً... نوعان من الكتب _إن جاز وصفها بالكتب_ باللغة الهيروغليعربية ؛ فئتان من الفكر الموجه ؛ أولاهما إجتهادات مفرطة في الغزارة في تبسيط السِيَر والحكايات المرتبطة بتاريخ الإسلام ولا يخلو محتواها من الحروب والغزوات والفتوحات الإسلامية بل مع الإصرار التأكيد على إبرازها من جهة ومن جهة أخرى بتوجيه عقول الأطفال إلى الصورة الواحدة المتوحدة التي لا ثاني لها للفرد المسلم السامع المطيع. وثاني هاتان الفئتان القصص الركيكة المبتذلة سئية الطباعة ضعيفة الجودة خاوية المحتوى والتي على كثرتها لا تناسب أعماراً أكبر من الثلاث سنوات وليس لها أي فرصة للمنافسة في سوق القصص الأجنبية.

شعرت فجأة أن رفوفنا خاوية ؛كما أن فصولنا خاوية ؛ وبلادنا خاوية ؛ ورؤوسنا خاوية ؛ خاوية من كل شيئ له قيمة من علم ومن أدب ومن فلسفة ؛ خاوية من فكر ومن إبداع ومن قلم ؛ خاوية من تخطيط ومن جودة ومن هدف!!!!!
الهذا الذي أعلاه من إزدحام ولغط ليس دعوة للتشاؤم ؛ بل هو دعوة للتأمل ؛ دعوة للفكر والذي يحتاج إلى الكثير من البحث والكتابة لترجمته.

ودعوتي لكم أن لا تظل رفوفنا خاوية هكذا ؛ إملأوها بالعقيدة القوية و بالعلم النافع ؛ إملأوا أرفف أبناءنا وبناتنا بالأمل ... بالعمل ... إملأوها بالمستقبل ...... ولا تتركوها خاوية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مشاعر مكبوتة